السدود
دمار أم تنمية؟
سد دال مثالا
الطبعة الثانية
فبراير 2008
اللجنة التمهيدية لمقاومة بناء سد دال
مقدمة:
بدأت ماساة النوبيين مع السدود منذ مطلع القرن العشرين، ففي العام 1902م شيد خزان أسوان وتمت تعليته لمرتين في الأعوام 1912، 1932م ثم كانت الطامة الكبرى ببناء السد العالي ، بإغراق كل المنطقة في العام 1963م في مصر ، إضافة للمنطقة من الحدود السودانية جنوباً إلى منطقة الشلال الثاني ( مشيخة دال ) داخل الحدود السودانية لأكثر من مائتي كيلومتر.
وببناء سدي دال وكجبار تستمر مأساة الشعب النوبي لأكثر من قرن كامل. والتاريخ لم يذكر شعباً واحداً مورس ضده التهجير القسري في أية رقعة من القارات الست حسب علمنا لأكثر من ست مرات . لقد أصبح تهجير النوبيين ظاهرة بحكم تواليها وتكرارها، وإزاءها لم تعد الظاهرة عشوائية بل تتعدى ذلك لتكون هدفاً مخططاً بدقة وتآمراً واضحاً لإخلاء المنطقة للمحتل القادم . وهذا المخطط لن تصمد أمامه كل مبررات التنمية وتوليد الكهرباء وغيرها من التبريرات الجوفاء والتي لم تعد ولن تقنع أحداً من النوبيين .
ولوضوح المخطط لإخلاء المنطقة ولمعاناة المهجرين من قبل ولازالوا.. فلم يبق أمام الشعب النوبي إلا التكاتف والوقوف صفاً واحداً أمام هذا المخطط، فما أقسى أن نرقص غداً على أطلال ما بناه الأجداد والأباء.
مأساة المهجرين من وادي حلفا وقراها عام 1963م
إن المأساة الكبرى والتي ظل جرحها غائراً لا يندمل حتى اليوم هي تهجير الأهل من تلك المنطقة الغالية إلى منطقة لا قبل لهم بها أرضاً ومناخاً ومجتمعاً، وإمعاناً في طمس الهوية والثقافة وبترها من عقول الأجيال اللاحقة كانت تسمية القرى بالأرقام !! ثم توالت المأساة بالفشل الذريع لكل المشاريع لأن.خزان خشم القربة فقد من طاقته التخزينية ما يقدر 60% بسبب الأطماء المتراكمة، وبالأهمال المتعمد من الحكومات المتعاقبة ولعدم بناء خزان ستيت الذي كان مقرراً بناؤه . لذلك أصبحت هذه المياه لا تكفي حتى مزرعة مصنع السكر بخشم القربة دع عنك المساحات المزروعة والتي تقلصت في مناطق الإسكان ( قرى النوبيين) إلى حوالي 14-18% من جملة المساحات المخصصة لهم وانخفضت المساحة المزروعة من 120 الف فدان في موسم 1969-1970م إلى أربعة ألف فدان فقط في عام 2004-2005 م . والمدهش أنه في الوقت نفسه أرتفعت رسوم المياه والأراضي والإدارة من 490جنيه في موسم 1985-1986م إلى 210 ألف جنيه في موسم 2001-2002م .( 1) ((1) بحث علمي قدم بواسطة القطاع النوبي في جبهة الشرق للمفاوضات مع الحكومة في نوفمبر 2005م)
هذا فضلاً عن الإنهيار التام لمطاحن الدقيق باستيلاء الدولة عليها على عهد المدعو محمد الأمين خليفة في الوقت الذي كان عراب الاقتصاد الإنقاذي عبد الرحيم حمدي يطبق بقسوة سياسة التحرير الإقتصادي ! وتبع ذلك الإفشال المتعمد لأتحاد أصحاب اللواري تلك التجربة الناجحة. فضلاً عن تفشي أمراض المياه المتوطنة مثل البولهارسيا ، الفشل الكلوي ، الملاريا وأخيراً السرطانات الناجمة عن مادة الاسبستوس والتي ظهرت في الجيل الثاني من النوبيين المهجرين هناك.( )
كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها أدى إلى الهجرة العكسية للنوبيين من حلفا الجديدة إلى أطراف العاصمة والمدن والأخرى والعودة مرة ثانية لوادي حلفا .
وهنا لابد لنا والحال هكذا ان نتذكر جيداً أن الخيارات التي كانت مطروحة لتهجير الأهل من وادي حلفا وقراها كانت لخمس خيارت وهي :
1] الإسكان حول البحيرة حسب اجماع الأهالي
2] وادي الخوي بدنقلا .
3] شمال الخرطوم .
4] جنوب الخرطوم .
5] وأخيراً خشم القربة .
والمتأمل جيداً لتلك الخيارات سيدرك من الوهلة الأولى أن الخيار الأول والثاني كانا هما الخيارين المناسبين للتهجير وإعادة التوطين لكثير من الأسباب المعلومة، ويجئ السؤال المشروع لماذا تم فرض الخيار الأخير والأسوأ ؟ وما الذي حال دون بقاء النوبيين حول البحيرة؟
وإذا كانت الحكومة المصرية فشلت في تسويق بناء السد في ظل الحكومات الديمقراطية في السودان إلا أنها نجحت كعادتها في فرضه على حكومة الفريق عبود الديكتاتورية والمعزولة عن شعبها. وهكذا يعيد التاريخ نفسه اليوم وتتكرر المأساة في ظل حكومة الإنقاذ الحالية ولكن هذه المرة لإخلاء وافراغ كامل المنطقة النوبية من سكانها. فما أشبه الليلة بالبارحة!!
لقد تعددت أوجه التعدي على الأرض النوبية في بيع 1،6 مليون فدان بمنطقة أرقين للحكومة المصرية و 400 ألف فدان للحكومة الليبية غرب دنقلا (2) (نوبية سر الختم صالح ، جريدة الصحافة السودانية 19 مارس 2007م العدد 4944) .
ولعل ما زاد من ضعف الحكومة السودانية أمام المصرية وطاعة الأولى الكاملة للأخيرة هو ذلك الملف الذي بحوزة الحكومة المصرية والخاص بمحاولة اغتيال حسني مبارك بأديس ابابا في 1995م .
_________
يتبع
<!-- /رنـوم